كذلك فتنة المسيح الدجال وهو شر غائب ينتظر. وهكذا الساعة؛ فإن الساعة آتية لا ريب فيها ، وهي ذكر الله أن أنها أدهى وأمر في قوله تعالى: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا
وإذا عرف أن هذه كلها من الفتن؛ فإن الإنسان عليه أن يبتعد عن أسباب الفتن، وأن يستعيذ بالله عز وجل من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
أما الموضوع الذي في هذه الليلة فالتحذير من فتنة المسيح الدجال. معلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه لا بد أن يخرج في هذه الأمة، فإذا كان لا بد أنه خارج في هذه الأمة؛ فإن علينا أن نعرف أوصافه؛ حتى نحذر منه، فإن قرب أشراط الساعة وما حصل فيها مما يفيد أنه قد قرب زمان خروجه.
فنذكر من الأحاديث بعض ما ورد فيها شيء من صفاته، وبيان ما يحصل في زمانه، وعلى يديه من الفتن ومن الامتحان؛ حتى يكون المؤمن على يقين من هذه الفتنة ويبتعد عنها ويحذرها إذا قدر أنه يدركها.
فنقول: لقد كثر ذكره في الأحاديث وأفرد بمؤلفات، وذكره العلماء في مؤلفاتهم؛ نظرا إلى أنه ورد في هذه الأحاديث كثرة ذكره وكثرة أوصافه التي يتميز بها.
ولا شك أنها أخبار صحيحة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. وقد وصفه بصفات ثابتة أيضا في أحاديث الصحيحين، أو في أحاديث على شرط الصحيحين، أو في أحدهما، وهذا مما يسبب أننا نصدق بها؛ لأن الصحيحين قد تلقتهما الأمة بالقبول، ولم يرد أهل السنة منهما شيئا؛ إلا ما قل مما ورد في ثبوته خلاف وتجاهل ولا يقال: لماذا لم يرد ذكره في القرآن؟ الجواب: أنه ورد ذكر الأشراط مطلقة في قول الله تعالى: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا
ولا شك أن أشراطها هي العلامات، ومن علامتها وعلامات قربها بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك أيضا قد أخبر الله تعالى بقرب الساعة في قوله تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ
اقترب؛ يعني قيامها، وكذلك قوله تعالى:
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ
اقْتَرَبَ
؛ يعني قرب حسابهم؛ وذلك دليل على قرب الساعة. وكذلك قال الله تعالى:
أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ
وأمر الله يدخل فيه الأمر بقيام الساعة. فقيام الساعة قبله أمارات وضحها النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل عن الساعة قال:
ما المسئول عنها بأعلم من السائل. ثم قال: أخبرني عن علاماتها؟ قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان
.
فجعل هذه من علاماتها، ولا شك أن هذه قد ظهرت، وقد قرب ظهور أكثر علامات وأشراط الساعة التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر كثير منها في القرآن مثل قول الله تعالى: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ
؛ أي متى وقع القول عليهم وقرب وقت ذلك أخرج الله لهم دابة من الأرض. فخروج الدابة من الآيات التي ينتظرها الناس. وكذلك خروج الدخان المذكور في قول الله تعالى:
فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ
ورد أن هذا الدخان يأتي قبل قيام الساعة؛ بحيث إنه يأخذ الناس من أنوفهم، وأنه يطول أو تطول مدته، ويغشى كثيرا من الناس.
وكذلك خروج يأجوج ومأجوج ذكر في القرآن في قوله تعالى: حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ
؛ أي يخرجون. قالت طائفة من الناس: الله أعلم بمكانهم وبهيئتهم، يخرجون في آخر الدنيا، ثم إذا خرجوا مشوا في الأرض كما في هذه الآية
وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ
قال بعد ذلك:
وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ
؛ أي قرب وعد الله تعالى بقيام الساعة
الْوَعْدُ الْحَقُّ
الوعد الصحيح.
وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ
.
فنعرف بذلك أن هناك أمارات للساعة قد ورد ذكرها صريحا في القرآن. وكذلك أيضا ورد ذكر بعضها بالإشارة مثل قول الله تعالى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا
وهذه الآية التي ذكرت فسرت بأنها طلوع الشمس من مغربها، وأن الناس إذا رأوها آمنوا كلهم؛ وحينئذ لا ينفع نفسا إيمانها، بل قد ختم على الأعمال، فلا أحد يقدر على التوبة ولا على الزيادة في الأعمال، ويكون ذلك علامة على قرب قيام الساعة.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يكون قرب قيام الساعة ريح طيبة تقبض أرواح كل مؤمن-تقبض أرواح المؤمنين- ويبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع يتهارجون كما تتهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة
وأخبر أيضا صلى الله عليه وسلم بأن قرب قيام الساعة لا يبقى أحد على الإيمان، فقال صلى الله عليه وسلم:
لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله
؛ أي ينقرض من يعرف الله، ولا يبقى إلا من لا خير فيهم.وكذلك قال صلى الله عليه وسلم:
إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد
؛ أي أنهم من شرار الناس. الذين تدركهم الساعة أحياء هم شرار الناس، أو لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس.
فإذا كثر الشر فإن ذلك من أمارات قرب الساعة، ثبت أنه صلى الله عليه وسلم دخل مرة على إحدى زوجاته وهو يقول: ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بإصبعيه؛ أي: السبابة والإبهام فقالت: زينب يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث
؛ أي إذا كثر الكفر وكثر الفسوق أذن الله تعالى بهلاك من على وجه الأرض والقضاء على هذه الدنيا وعلى أهلها؛ فيكون ذلك علامة على قرب قيام الساعة؛ إذا كثر الخبث وكثر الشر.
ولا شك أن الفتن التي يفتتن الناس بها في دينهم عامة لفتن الشبهات، وفتن الشهوات، وفتن الابتلاء والامتحان. ففتن الشبهات ما يروجها أعداء الله تعالى من اليهود والنصارى والشيوعيين والبوذيين والوثنيين والقبوريين والمنافقين والملحدين ونحوهم مما يشككون به في دين الله؛ بحيث إنهم يمدحون أديانهم الباطلة، ويذكرون أسبابا تبرر بقاءهم على هذه الأديان الباطلة، ويمدحون ما هم عليه، ويوردون ما يشككون به المسلمين في عقيدتهم وفي أديانهم وفي عباداتهم، وما يقدحون به في دين الإسلام.
فالذي يكون غِرا جاهلا ينخدع بشبهاتهم، ويفتتن بترهاتهم، ويخيل إليه أنهم صادقون، ويعتقد اعتقادا خاطئا أن دين الإسلام دين متهافت، وأن أديانهم أديان صحيحة، ولا يكون معه من الإيمان ولا من العلم الصحيح ما يرد به على أولئك المشبهين، على أولئك المموهين الذين يظهرون الحق في صورة الباطل والباطل في صورة الحق. فنقول: على المؤمن أن يتعلم أمور دينه، وأن يتعلم الأمارات والعلامات التي تثبت الإيمان في قلبه، وترسخ العقيدة الصافية الصحيحة التي ترك النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين عليها، وقال: تركتم على مثل البيضاء ليلها كنهارها
فذلك بلا شك مما يجب على المسلم؛ حتى لا يفتتن بهذه الشبهات.
كذلك أيضا فتنة الشهوات وما أكثرها التي افتتن بها كثير؛ حيث انخدعوا وساروا وراء تلك الشهوات وتلك الملذات، وقدموا ملذاتهم على طاعة ربهم وعلى عبادته؛ فأصبحوا بذلك منحرفين، مقدمين لسخط الله تعالى على رضاه. لا شك أن هذه أيضا من الفتن التي يسلطها الله على من يشاء، ولا يسلم منها إلا من سلم الله، قال الله تعالى: إنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ
فجعل هذه من الفتن، وأخبر بأن الدنيا وما عليها من الفتن.
وكذلك الكفر والشرك من الفتن في قوله: ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا
وفي قوله تعالى:
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً
فالفتنة تفسر بأنها الشرك في قول الله تعالى:
أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
هذه الفتن فتن الشهوات هي المتمكنة الآن، فمنها زينة الدنيا وزخرفها، فما أعظمها من فتنة. الكثير من الناس انخدعوا بأهل الدنيا وبما هم عليه، فإذا رأوا من بسطت عليه الدنيا، ومتع بشهواتها وزينتها، ومن متع بزخرفها -انخدعوا بذلك، واعتقدوا أن هذا دليل على شرفه؛ ففضلوا ما كان عليه على حالة أولياء الله وأتقيائه، وهذا من الفتن فتنة الدنيا وزينتها.
نقول: عليك ألا تنظر إليهم نظر إعجاب، اقرأ قول الله تعالى: وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
؛ أي لا تنظر إليهم نظر إعجاب ولا نظر إكبار، ولا تنظر إليهم تغبطهم بما هم فيه من زهرة الدنيا وزينتها فإنه:
متاع غـرور لا يـدوم سـرورها | وأضغـاث حلم خـادع بهـدائـه |
إيــاك والدنـيا الدنــية إنهـا | شـرك الـردى وجلائـل الأخطار |
دار متى مـا أضحكـت في يومها | أبكـت غـدا بعدا لهـا مـن دار |
آفاتهـا لا تنقضــي وأسيرهـا | لا يفتــدي بجـلائـل الأخـطار |
قلبت لـه ظهـر المجن وأولغـت | فيـه المـدى ونزت لأخـذ الثـار |